تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 3 من سورة البروج
وشاهد ومشهود اختلف فيهما ; فقال علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهم - : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة . وهو قول الحسن . ورواه أبو هريرة مرفوعا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة . . . " خرجه أبو عيسى الترمذي في جامعه ، وقال : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة ، وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ، ضعفه يحيى بن سعيد وغيره . وقد روى شعبة وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عنه . قال القشيري فيوم الجمعة يشهد على كل عامل بما عمل فيه .
قلت : وكذلك سائر الأيام والليالي ; فكل يوم شاهد ، وكذا كل ليلة ; ودليله ما رواه أبو نعيم الحافظ عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس من يوم يأتي على العبد إلا ينادى فيه : يا بن آدم ، أنا خلق جديد ، وأنا فيما تعمل عليك شهيد ، فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا ، فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا ، ويقول الليل مثل ذلك . حديث غريب من حديث معاوية ، تفرد به عنه زيد العمي ، ولا أعلمه مرفوعا . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد . وحكى القشيري عن ابن عمر وابن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى . وقال سعيد بن المسيب : الشاهد : التروية ، والمشهود : يوم عرفة . وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي - رضي الله عنه - : الشاهد يوم عرفة ، والمشهود يوم النحر . وقاله النخعي . وعن علي أيضا : المشهود يوم عرفة . وقال ابن عباس والحسين بن علي - رضي الله عنهما - : المشهود يوم القيامة ; لقوله تعالى : ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود .
قلت : وعلى هذا اختلفت أقوال العلماء في الشاهد ، فقيل : الله تعالى ; عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير ; بيانه : وكفى بالله شهيدا ، قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم . وقيل : محمد - صلى الله عليه وسلم - ; عن ابن عباس أيضا والحسين بن علي ; وقرأ ابن عباس فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ، وقرأ الحسين يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا .
قلت : وأقرأ أنا ويكون الرسول عليكم شهيدا . وقيل : الأنبياء يشهدون على أممهم ; لقوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد . وقيل : آدم . وقيل : عيسى ابن مريم ; لقوله : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم . والمشهود : أمته . وعن ابن عباس أيضا ومحمد بن كعب : الشاهد الإنسان ; دليله : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا . مقاتل : أعضاؤه ; بيانه : يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون . الحسين بن المفضل : الشاهد هذه الأمة ، والمشهود سائر الأمم ; بيانه : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس . وقيل : الشاهد : الحفظة ، والمشهود : بنو آدم . وقيل : الليالي والأيام . وقد بيناه .
قلت : وقد يشهد المال على صاحبه ، والأرض بما عمل عليها ; ففي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن هذا المال خضر حلو ، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل - أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة " . وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : يومئذ تحدث أخبارها قال : " أتدرون ما أخبارها " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها ، تقول عمل يوم كذا كذا كذا وكذا . قال : فهذه أخبارها " . قال حديث حسن غريب صحيح . وقيل : الشاهد الخلق ، شهدوا لله - عز وجل - بالوحدانية . والمشهود له بالتوحيد هو الله تعالى . وقيل : المشهود يوم الجمعة ; كما روى أبو الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة . . . " وذكر الحديث . خرجه ابن ماجه وغيره .
قلت : فعلى هذا يوم عرفة مشهود ; لأن الملائكة تشهده ، وتنزل فيه بالرحمة . وكذا يوم النحر إن شاء الله . وقال أبو بكر العطار : الشاهد الحجر الأسود ; يشهد لمن لمسه بصدق وإخلاص ويقين . والمشهود الحاج . وقيل : الشاهد الأنبياء ، والمشهود محمد - صلى الله عليه وسلم - ; بيانه : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة - إلى قوله تعالى - وأنا معكم من الشاهدين ) .