تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 70 من سورة الأنعام
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون أي لا تعلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت وإن كنت مأمورا بوعظهم . قال قتادة : هذا منسوخ ، نسخه فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ومعنى لعبا ولهوا أي استهزاء بالدين الذي دعوتهم إليه . وقيل : استهزءوا بالدين الذي هم عليه فلم يعملوا به . والاستهزاء ليس مسوغا في دين . وقيل : لعبا ولهوا باطلا وفرحا ، وقد تقدم هذا . وجاء اللعب مقدما في أربعة مواضع ، وقد نظمت . إذا أتى لعب ولهو وكم من موضع هو في القرآن فحرف في الحديد وفي القتال وفي الأنعام منها موضعان وقيل : المراد بالدين هنا العيد . قال الكلبي : إن الله تعالى جعل لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه لله تعالى ، وكل قوم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوه صلاة وذكرا وحضورا بالصدقة ، مثل الجمعة والفطر والنحر .
قوله تعالى وغرتهم الحياة الدنيا أي لم يعلموا إلا ظاهرا من الحياة الدنيا .
قوله تعالى وذكر به أي بالقرآن أو بالحساب .
أن تبسل نفس بما كسبت أي ترتهن وتسلم للهلكة ; عن مجاهد وقتادة والحسن وعكرمة والسدي . والإبسال : تسليم المرء للهلاك ; هذا هو المعروف في اللغة . أبسلت ولدي أرهنته ; قال عوف بن الأحوص بن جعفر : وإبسالي بني بغير جرم بعوناه ولا بدم مراق " بعوناه " بالعين المهملة معناه جنيناه . والبعو الجناية . وكان حمل عن غني لبني قشير دم ابني السجيفة فقالوا : لا نرضى بك ; فرهنهم بنيه طلبا للصلح . وأنشد النابغة الجعدي : ونحن رهنا بالأفاقة عامرا بما كان في الدرداء رهنا فأبسلا الدرداء : كتيبة كانت لهم .
ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع تقدم معناه .
قوله تعالى : وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها الآية .
العدل الفدية ، وقد تقدم في [ البقرة ] . والحميم الماء الحار ; وفي التنزيل يصب من فوق رءوسهم الحميم الآية . يطوفون بينها وبين حميم آن . والآية منسوخة بآية القتال . وقيل : ليست بمنسوخة ; لأن قوله : وذر الذين اتخذوا دينهم تهديد ; كقوله : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ومعناه لا تحزن عليهم ; فإنما عليك التبليغ والتذكير بإبسال النفوس . فمن أبسل فقد أسلم وارتهن . وقيل : أصله التحريم ، من قولهم : هذا بسل عليك أي حرام ; فكأنهم حرموا الجنة وحرمت عليهم الجنة . قال الشاعر : أجارتكم بسل علينا محرم وجارتنا حل لكم وحليلها والإبسال : التحريم .