تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 16 من سورة ق
قوله تعالى : ولقد خلقنا الإنسان يعني الناس ، وقيل : آدم .
ونعلم ما توسوس به نفسه أي : ما يختلج في سره وقلبه وضميره ، وفي هذا زجر عن المعاصي التي يستخفي بها . ومن قال : إن المراد بالإنسان آدم ; فالذي وسوست به نفسه هو الأكل من الشجرة ، ثم هو عام لولده . والوسوسة حديث النفس بمنزلة الكلام الخفي . قال الأعشى : تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل وقد مضى في " الأعراف " .
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد هو حبل العاتق وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه ، وهما وريدان عن يمين وشمال . روي معناه عن ابن عباس وغيره وهو المعروف في اللغة . والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين . وقال الحسن : الوريد الوتين وهو عرق معلق بالقلب . وهذا تمثيل للقرب ; أي : نحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه ، وليس على وجه قرب المسافة . وقيل : أي : ونحن أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه . وقيل : أي : ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده الذي هو من نفسه ; لأنه عرق يخالط القلب ، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب ، روي معناه عن مقاتل قال : الوريد عرق يخالط القلب ، وهذا القرب قرب العلم والقدرة ، وأبعاض الإنسان يحجب البعض البعض ولا يحجب علم الله شيء .