تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 117 من سورة المائدة
قوله تعالى : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد
قوله تعالى : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به يعني في الدنيا بالتوحيد . أن اعبدوا الله أن لا موضع لها من الإعراب وهي مفسرة مثل وانطلق الملأ منهم أن امشوا . ويجوز أن تكون في موضع نصب ; أي : ما ذكرت لهم إلا عبادة الله ، ويجوز أن تكون في موضع خفض ; أي : بأن اعبدوا الله ; وضم النون أولى ; لأنهم يستثقلوا كسرة بعدها ضمة ، والكسر جائز على أصل التقاء الساكنين .
قوله تعالى : وكنت عليهم شهيدا أي : حفيظا بما أمرتهم . ما دمت فيهم ما في موضع نصب أي : وقت دوامي فيهم . فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم قيل : هذا يدل على أن الله عز وجل توفاه قبل أن يرفعه ; وليس بشيء ; لأن الأخبار تظاهرت برفعه ، وأنه في السماء حي ، وأنه ينزل ويقتل الدجال - على ما يأتي بيانه - وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء . قال الحسن : الوفاة في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أوجه : وفاة الموت وذلك قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها يعني وقت انقضاء أجلها ، ووفاة النوم ; قال الله تعالى : وهو الذي يتوفاكم بالليل يعني الذي ينيمكم ، ووفاة الرفع ، قال الله تعالى : يا عيسى إني متوفيك . وقوله كنت أنت أنت هنا توكيد الرقيب خبر كنت ومعناه الحافظ عليهم ، والعالم بهم والشاهد على أفعالهم ; وأصله المراقبة أي : المراعاة ; ومنه المرقبة لأنها في موضع الرقيب من علو المكان . وأنت على كل شيء شهيد أي : من مقالتي ومقالتهم : وقيل على من عصى وأطاع ; خرج مسلم عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بموعظة فقال : يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم - عليه السلام - ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم قال : ( فيقال لي إنهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) .