تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 25 من سورة القصص
قوله تعالى : فجاءته إحداهما تمشي على استحياء في هذا الكلام اختصار يدل عليه هذا الظاهر ; قدره ابن إسحاق : فذهبتا إلى أبيهما سريعتين ، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي ، فحدثتاه بما كان من الرجل الذي سقى لهما ، فأمر الكبرى من بنتيه - وقيل الصغرى - أن تدعوه له ، فجاءته على ما في هذه الآية . قال عمرو بن ميمون : ولم تكن سلفعا من النساء ، خراجة ولاجة وقيل : جاءته ساترة وجهها بكم درعها ; قاله عمر بن الخطاب وروي أن اسم إحداهما ليا والأخرى صفوريا ابنتا يثرون ويثرون هو شعيب عليه السلام . وقيل : ابن أخي شعيب ، وأن شعيبا كان قد مات . وأكثر الناس على أنهما ابنتا شعيب عليه السلام وهو ظاهر القرآن ، قال الله تعالى : وإلى مدين أخاهم شعيبا كذا في سورة ( الأعراف ) وفي سورة الشعراء : كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب قال قتادة : بعث الله تعالى شعيبا إلى أصحاب الأيكة وأصحاب مدين وقد مضى في ( الأعراف ) الخلاف في اسم أبيه فروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة قام يتبعها ، وكان بين موسى وبين أبيها ثلاثة أميال ، فهبت ريح فضمت قميصها فوصفت عجيزتها ، فتحرج موسى من النظر إليها فقال : ارجعي خلفي وأرشديني إلى الطريق بصوتك . وقيل : إن موسى قال ابتداء : كوني ورائي فإني رجل عبراني لا أنظر في أدبار النساء ، ودليني على الطريق يمينا أو يسارا ; فذلك سبب وصفها له بالأمانة ; قال ابن عباس فوصل موسى إلى داعيه فقص عليه أمره من أوله إلى آخره فآنسه بقوله : لا تخف نجوت من القوم الظالمين وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون ، وقرب إليه طعاما فقال موسى : لا آكل ; إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا ; فقال شعيب : ليس هذا عوض السقي ، ولكن عادتي وعادة آبائي قرى الضيف ، وإطعام الطعام ; فحينئذ أكل موسى .