تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 15 من سورة النور
قوله تعالى : إذ تلقونه بألسنتكم قراءة محمد بن السميقع بضم التاء وسكون اللام وضم القاف ؛ من الإلقاء ، وهذه قراءة بينة . وقرأ أبي ، وابن مسعود ( إذ تتلقونه ) من التلقي ، بتاءين . وقرأ جمهور السبعة بحرف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام ؛ وهذا أيضا من التلقي . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بإدغام الذال في التاء . وقرأ ابن كثير بإظهار الذال وإدغام التاء في التاء ؛ وهذه قراءة قلقة ؛ لأنها تقتضي اجتماع ساكنين ، وليست كالإدغام في قراءة من قرأ ( فلا تناجوا ) ( ولا تنابزوا ) لأن دونه الألف الساكنة ، وكونها حرف لين حسنت هنالك ما لا تحسن مع سكون الذال . وقرأ ابن يعمر ، وعائشة - رضي الله عنهما - وهم أعلم الناس بهذا الأمر - إذ تلقونه بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف ؛ ومعنى هذه القراءة من قول العرب : ولق الرجل يلق ولقا إذا كذب واستمر عليه ؛ فجاءوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي . قال ابن عطية : وعندي أنه أراد إذ تلقون فيه ؛ فحذف حرف الجر فاتصل الضمير . وقال الخليل ، وأبو عمرو : أصل الولق الإسراع ؛ يقال : جاءت الإبل تلق ؛ أي تسرع .
قال :
لما رأوا جيشا عليهم قد طرق جاءوا بأسراب من الشأم ولق
إن الحصين زلق وزملق جاءت به عنس من الشأم تلق
يقال : رجل زلق وزملق ؛ مثال هدبد ، وزمالق وزملق ( بتشديد الميم ) وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ؛ قال الراجز :
إن الحصين زلق وزملق
والولق أيضا أخف الطعن . وقد ولقه يلقه ولقا . يقال : ولقه بالسيف ولقات ، أي ضربات ؛ فهو مشترك .
قوله تعالى : وتقولون بأفواهكم مبالغة ، وإلزام ، وتأكيد . والضمير في تحسبونه عائد على الحديث والخوض فيه والإذاعة له . و هينا أي شيئا يسيرا لا يلحقكم فيه إثم . وهو عند الله في الوزر عظيم . وهذا مثل قوله - عليه السلام - في حديث القبرين : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي بالنسبة إليكم .