تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 33 من سورة الأنبياء
قوله تعالى : وهو الذي خلق الليل والنهار ذكرهم نعمة أخرى : جعل لهم الليل ليسكنوا فيه ، والنهار ليتصرفوا فيه لمعايشهم ، والشمس والقمر أي وجعل الشمس آية النهار ، والقمر آية الليل ؛ لتعلم الشهور والسنون والحساب ، كما تقدم في ( سبحان ) بيانه . كل يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار في فلك يسبحون أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء . قال الله تعالى وهو أصدق القائلين : والسابحات سبحا ويقال للفرس الذي يمد يده في الجري سابح . وفيه من النحو أنه لم يقل : يسبحن ولا تسبح ؛ فمذهب سيبويه : أنه لما أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل ، أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل ، أخبر عنهن بالواو والنون . ونحوه قال الفراء . وقد تقدم هذا المعنى في ( يوسف ) . وقال الكسائي : إنما قال : يسبحون لأنه رأس آية ، كما قال الله تعالى : نحن جميع منتصر ولم يقل منتصرون . وقيل : الجري للفلك فنسب إليها . والأصح أن السيارة تجري في الفلك ، وهي سبعة أفلاك دون السماوات المطبقة ، التي هي مجال الملائكة وأسباب الملكوت ، فالقمر في الفلك الأدنى ، ثم عطارد ، ثم الزهرة ، ثم الشمس ، ثم المريخ ، ثم المشتري ، ثم زحل ، والثامن فلك البروج ، والتاسع الفلك الأعظم . والفلك واحد أفلاك النجوم . قال أبو عمرو : ويجوز أن يجمع على فعل مثل أسد وأسد وخشب وخشب . وأصل الكلمة من الدوران ، ومنه فلكة المغزل ؛ لاستدارتها . ومنه قيل : فلك ثدي المرأة تفليكا ، وتفلك استدار . وفي حديث ابن مسعود : تركت فرسي كأنه يدور في فلك . كأنه لدورانه شبهه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم . قال ابن زيد : الأفلاك مجاري النجوم والشمس والقمر . قال : وهي بين السماء والأرض . وقال قتادة : الفلك استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء . وقال مجاهد : الفلك كهيئة حديد الرحى وهو قطبها . وقال الضحاك : فلكها مجراها وسرعة مسيرها . وقيل : الفلك موج مكفوف ومجرى الشمس والقمر فيه ؛ والله أعلم .