تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 46 من سورة الإسراء
قوله تعالى : وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرأ وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا
قوله تعالى : وجعلنا على قلوبهم أكنة أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم . وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ، ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ، ولا ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم . والأكنة الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان ، والأعنة والعنان . كننت الشيء في كنه إذا صنته فيه . وأكننت الشيء أخفيته . والكنانة معروفة . والكنة ( بفتح الكاف والنون ) امرأة أبيك ; ويقال : امرأة الابن أو الأخ ; لأنها في كنه . وأكنة جمع كنان ، وهو ما ستر الشيء . وقد تقدم في الأنعام
أن يفقهوه أي يفهموه وهو في موضع نصب ; المعنى كراهية أن يفهموه ، أو لئلا يفهموه . أن يفقهوه أي لئلا يفقهوه ، أو كراهية أن يفقهوه ، أي أن يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني . وهذا رد على القدرية .
وفي آذانهم وقرا عطف عليه أي ثقلا ; يقال منه : وقرت أذنه ( بفتح الواو ) توقر وقرا أي صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين . وقد وقر الله أذنه يقرها وقرا ; يقال : اللهم قر أذنه . وحكى أبو زيد عن العرب : أذن موقورة على ما لم يسم فاعله ; فعلى هذا وقرت ( بضم الواو ) . وقرأ طلحة بن مصرف ( وقرا ) بكسر الواو ; أي جعل ، في آذانهم ما سدها عن استماع القول على التشبيه بوقر البعير ، وهو مقدار ما يطيق أن يحمل ، والوقر الحمل ; يقال منه : نخلة موقر وموقرة إذا كانت ذات ثمر كثير . ورجل ذو وقرة إذا كان وقورا بفتح الواو ; ويقال منه : وقر الرجل ( بضم القاف ) وقارا ، ووقر ( بفتح القاف ) أيضا .
وفي آذانهم وقرا أي صمما وثقلا . وفي الكلام إضمار ، أي أن يسمعوه .
وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده أي قلت : لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن . وقال أبو الجوزاء أوس بن عبد الله : ليس شيء أطرد للشياطين من القلب من قول لا إله إلا الله ، ثم تلا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا . وقال علي بن الحسين : هو قوله بسم الله الرحمن الرحيم . وقد تقدم هذا في البسملة .
ولوا على أدبارهم قيل : يعني بذلك المشركين . وقيل الشياطين .
نفورا جمع نافر ; مثل شهود جمع شاهد ، وقعود جمع قاعد ، فهو منصوب على الحال . ويجوز أن يكون مصدرا على غير الصدر ; إذ كان قوله ولوا بمعنى نفروا ، فيكون معناه نفروا نفورا .