تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 31 من سورة الزمر
قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن عمرو ، عن ابن حاطب - يعني يحيى بن عبد الرحمن - عن ابن الزبير ، عن الزبير قال : لما نزلت : ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال الزبير : يا رسول الله ، أتكرر علينا الخصومة ؟ قال : " نعم " . قال : إن الأمر إذا لشديد .
وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان ، وعنده زيادة : ولما نزلت : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) [ التكاثر : 8 ] قال الزبير : أي رسول الله ، أي نعيم نسأل عنه ؟ وإنما - يعني : هما الأسودان : التمر والماء - قال : " أما إن ذلك سيكون " .
وقد روى هذه الزيادة الترمذي وابن ماجه ، من حديث سفيان ، به . وقال الترمذي : حسن .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا ابن نمير حدثنا محمد - يعني ابن عمرو - عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير بن العوام قال : لما نزلت هذه السورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال الزبير : أي رسول الله ، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : " نعم ليكررن عليكم ، حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " . قال الزبير : والله إن الأمر لشديد .
ورواه الترمذي من حديث محمد بن عمرو به وقال : حسن صحيح .
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي عشانة ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول الخصمين يوم القيامة جاران " . تفرد به أحمد .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيده ، إنه ليختصم ، حتى الشاتان فيما انتطحتا " تفرد به أحمد .
وفي المسند عن أبي ذر ، رضي الله عنه [ أنه ] قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاتين ينتطحان ، فقال : " أتدري فيم ينتطحان يا أبا ذر ؟ " قلت : لا . قال : " لكن الله يدري وسيحكم بينهما " .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا سهل بن بحر ، حدثنا حيان بن أغلب ، حدثنا أبي ، حدثنا ثابت عن أنس [ رضي الله عنه ] ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يجاء بالإمام الخائن يوم القيامة ، فتخاصمه الرعية فيفلجون عليه ، فيقال له : سد ركنا من أركان جهنم " .
ثم قال : الأغلب بن تميم ليس بالحافظ .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) يقول : يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهدي الضال ، والضعيف المستكبر . .
وقد روى ابن منده في كتاب " الروح " ، عن ابن عباس أنه قال : يختصم الناس يوم القيامة ، حتى تختصم الروح مع الجسد ، فتقول الروح للجسد : أنت فعلت . ويقول الجسد للروح : أنت أمرت ، وأنت سولت . فيبعث الله ملكا يفصل بينهما ، فيقول [ لهما ] إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير والآخر ضرير ، دخلا بستانا ، فقال المقعد للضرير : إني أرى هاهنا ثمارا ، ولكن لا أصل إليها . فقال له الضرير : اركبني فتناولها ، فركبه فتناولها ، فأيهما المعتدي ؟ فيقولان : كلاهما . فيقول لهما الملك . فإنكما قد حكمتما على أنفسكما . يعني : أن الجسد للروح كالمطية ، وهو راكبه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن أحمد بن عوسجة ، حدثنا ضرار ، حدثنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة ، حدثنا القمي - يعني يعقوب بن عبد الله - عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر [ رضي الله عنهما ] قال : نزلت هذه الآية ، وما نعلم في أي شيء نزلت : ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) [ قال ] قلنا : من نخاصم ؟ ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة ، فمن نخاصم ؟ حتى وقعت الفتنة فقال ابن عمر : هذا الذي وعدنا ربنا - عز وجل - نختصم فيه .
ورواه النسائي عن محمد بن عامر ، عن منصور بن سلمة ، به .
وقال أبو العالية [ في قوله ] ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) قال : يعني أهل القبلة .
وقال ابن زيد : يعني أهل الإسلام وأهل الكفر .
وقد قدمنا أن الصحيح العموم ، والله أعلم .