تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 73 من سورة البقرة
( فقلنا اضربوه ببعضها ) هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به .
وخرق العادة به كائن ، وقد كان معينا في نفس الأمر ، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا ، ولكن أبهمه ، ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه فنحن نبهمه كما أبهمه الله .
ولهذا قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له ، وكانت بقرة تعجبه ، قال : فجعلوا يعطونه بها فيأبى ، حتى أعطوه ملء مسكها دنانير ، فذبحوها ، فضربوه يعني القتيل بعضو منها ، فقام تشخب أوداجه دما [ فسألوه ] فقالوا له : من قتلك ؟ قال : قتلني فلان .
وكذا قال الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنه ضرب ببعضها .
وفي رواية عن ابن عباس : إنهم ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، قال : قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : ضربوا القتيل ببعض لحمها . وقال معمر : قال قتادة : فضربوه بلحم فخذها فعاش ، فقال : قتلني فلان .
وقال أبو أسامة ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) [ قال ] فضرب
بفخذها فقام ، فقال : قتلني فلان .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، وقتادة ، نحو ذلك .
وقال السدي : فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه ، فقال : قتلني ابن أخي .
وقال أبو العالية : أمرهم موسى ، عليه السلام ، أن يأخذوا عظما من عظامها ، فيضربوا به القتيل ، ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : فضربوه ببعض آرابها [ وقيل : بلسانها ، وقيل : بعجب ذنبها ] .
وقوله : ( كذلك يحيي الله الموتى ) أي : فضربوه فحيي . ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل : جعل تبارك وتعالى ذلك الصنع حجة لهم على المعاد ، وفاصلا ما كان بينهم من الخصومة والفساد ، والله تعالى قد ذكر في هذه السورة ما خلقه في إحياء الموتى ، في خمسة مواضع : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) [ البقرة : 56 ] . وهذه القصة ، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، وقصة إبراهيم والطيور الأربعة .
ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميما ، كما قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، أخبرني يعلى بن عطاء ، قال : سمعت وكيع بن عدس ، يحدث عن أبي رزين العقيلي ، قال : قلت : يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ؟ قال : " أما مررت بواد ممحل ، ثم مررت به خضرا ؟ " قال : بلى . قال : " كذلك النشور " . أو قال : " كذلك يحيي الله الموتى " . وشاهد هذا قوله تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ) [ يس : 35 ] .
مسألة : استدل لمذهب مالك في كون قول الجريح : فلان قتلني لوثا بهذه القصة ; لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله فقال : قتلني فلان ، فكان ذلك مقبولا منه ; لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق ، ولا يتهم والحالة هذه ، ورجحوا ذلك بحديث أنس : أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها ، فرضخ رأسها بين حجرين فقيل : من فعل بك هذا ؟ أفلان ؟ أفلان ؟ حتى ذكر اليهودي ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي ، فلم يزل به حتى اعترف ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد رأسه بين حجرين وعند مالك : إذا كان لوثا حلف أولياء القتيل قسامة ، وخالف الجمهور في ذلك ولم يجعلوا قول القتيل في
ذلك لوثا .