تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 50 من سورة البقرة
وقوله تعالى : ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) معناه : وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون ، وخرجتم مع موسى ، عليه السلام ، خرج فرعون في طلبكم ، ففرقنا بكم البحر ، كما أخبر تعالى عن ذلك مفصلا كما سيأتي في مواضعه ومن أبسطها في سورة الشعراء إن شاء الله .
( فأنجيناكم ) أي : خلصناكم منهم ، وحجزنا بينكم وبينهم ، وأغرقناهم وأنتم تنظرون ؛ ليكون ذلك أشفى لصدوركم ، وأبلغ في إهانة عدوكم .
قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله تعالى : ( وإذ فرقنا بكم البحر ) إلى قوله : ( وأنتم تنظرون ) قال : لما خرج موسى ببني إسرائيل ، بلغ ذلك فرعون فقال : لا تتبعوهم حتى تصيح الديكة . قال : فوالله ما صاح ليلتئذ ديك
حتى أصبحوا ؛ فدعا بشاة فذبحت ، ثم قال : لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط . فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط ثم سار ، فلما أتى موسى البحر ، قال له رجل من أصحابه ، يقال له : يوشع بن نون : أين أمر ربك ؟ قال : أمامك ، يشير إلى البحر . فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر ، فذهب به الغمر ، ثم رجع . فقال : أين أمر ربك يا موسى ؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت . فعل ذلك ثلاث مرات ، ثم أوحى الله إلى موسى : ( أن اضرب بعصاك البحر ) فضربه ( فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) [ الشعراء : 63 ] ، يقول : مثل الجبل . ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم ، حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم فلذلك قال : ( وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) .
وكذلك قال غير واحد من السلف ، كما سيأتي بيانه في مواضعه . وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا عفان ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن عبد الله بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا اليوم الذي تصومون ؟ . قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى ، عليه السلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى منكم . فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بصومه .
وروى هذا الحديث البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق ، عن أيوب السختياني ، به نحو ما تقدم .
وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو الربيع ، حدثنا سلام - يعني ابن سليم - عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء .
وهذا ضعيف من هذا الوجه فإن زيدا العمي فيه ضعف ، وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه .