تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 282 من سورة البقرة
هذه الآية الكريمة أطول آية في القرآن العظيم ، وقد قال الإمام أبو جعفر بن جرير :
حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال ، حدثني سعيد بن المسيب : أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس أنه قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول من جحد آدم ، عليه السلام ، أن الله لما خلق آدم ، مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة ، فجعل يعرض ذريته عليه ، فرأى فيهم رجلا يزهر ، فقال : أي رب ، من هذا ؟ قال : هو ابنك داود . قال : أي رب ، كم عمره ؟ قال : ستون عاما ، قال : رب زد في عمره . قال : لا إلا أن أزيده من عمرك . وكان عمر آدم ألف سنة ، فزاده أربعين عاما ، فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة ، فلما احتضر آدم وأتته الملائكة قال : إنه قد بقي من عمري أربعون عاما ، فقيل له : إنك قد وهبتها لابنك داود . قال : ما فعلت . فأبرز الله عليه الكتاب ، وأشهد عليه الملائكة " .
وحدثنا أسود بن عامر ، عن حماد بن سلمة ، فذكره ، وزاد فيه : " فأتمها الله لداود مائة ، وأتمها لآدم ألف سنة " .
وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن يوسف بن حبيب ، عن أبي داود الطيالسي ، عن حماد بن سلمة [ به ] .
هذا حديث غريب جدا ، وعلي بن زيد بن جدعان في أحاديثه نكارة . وقد رواه الحاكم في مستدركه بنحوه ، من حديث الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة . ومن رواية داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة . ومن طريق محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة . ومن حديث هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره بنحوه .
فقوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) هذا إرشاد منه تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ، ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها ، وأضبط للشاهد فيها ، وقد نبه على هذا في آخر الآية حيث قال : ( ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا )
وقال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) قال : أنزلت في السلم إلى أجل معلوم .
وقال قتادة ، عن أبي حسان الأعرج ، عن ابن عباس ، قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أحله وأذن فيه ، ثم قرأ : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ) رواه البخاري .
وثبت في الصحيحين من رواية سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس ، قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، إلى أجل معلوم " .
وقوله : ( فاكتبوه ) أمر منه تعالى بالكتابة [ والحالة هذه ] للتوثقة والحفظ ، فإن قيل : فقد ثبت في الصحيحين ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " فما الجمع بينه وبين الأمر بالكتابة ؟ فالجواب : أن الدين من حيث هو غير مفتقر إلى كتابة أصلا ; لأن كتاب الله قد سهل الله ويسر حفظه على الناس ، والسنن أيضا محفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي أمر الله بكتابته إنما هو أشياء جزئية تقع بين الناس ، فأمروا أمر إرشاد لا أمر إيجاب ، كما ذهب إليه بعضهم .
قال ابن جريج : من ادان فليكتب ، ومن ابتاع فليشهد .
وقال قتادة : ذكر لنا أن أبا سليمان المرعشي ، كان رجلا صحب كعبا ، فقال ذات يوم لأصحابه : هل تعلمون مظلوما دعا ربه فلم يستجب له ؟ فقالوا : وكيف [ يكون ] ذلك ؟ قال : رجل باع بيعا إلى أجل فلم يشهد ولم يكتب ، فلما حل ماله جحده صاحبه ، فدعا ربه فلم يستجب له ; لأنه قد عصى ربه .
وقال أبو سعيد ، والشعبي ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وابن جريج ، وابن زيد ، وغيرهم : كان ذلك واجبا ثم نسخ بقوله : ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته )
قال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا ليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر " أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ، فقال : ائتني بشهداء أشهدهم . قال : كفى بالله شهيدا . قال : ائتني بكفيل . قال : كفى بالله كفيلا . قال : صدقت . فدفعها إليه إلى أجل مسمى ، فخرج في البحر فقضى حاجته ، ثم التمس مركبا يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركبا ، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة معها إلى صاحبها ، ثم زجج موضعها ، ثم أتى بها البحر ، ثم قال : اللهم إنك قد علمت أني استسلفت فلانا ألف دينار ، فسألني كفيلا فقلت : كفى بالله كفيلا . فرضي بذلك ، وسألني شهيدا ، فقلت : كفى بالله شهيدا . فرضي بذلك ، وإني قد جهدت أن أجد مركبا أبعث بها إليه بالذي أعطاني فلم أجد مركبا ، وإني استودعتكها . فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ، ثم انصرف ، وهو في ذلك يطلب مركبا إلى بلده ، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا تجيئه بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة ، ثم قدم الرجل الذي كان تسلف منه ، فأتاه بألف دينار وقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه . قال : هل كنت بعثت إلي بشيء ؟ قال : ألم أخبرك أني لم أجد مركبا قبل هذا الذي جئت فيه ؟ قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة ، فانصرف بألفك راشدا " .
وهذا إسناد صحيح وقد رواه البخاري في سبعة مواضع من طرق صحيحة معلقا بصيغة
الجزم ، فقال : وقال الليث بن سعد ، فذكره . ويقال : إنه رواه في بعضها عن عبد الله بن صالح كاتب الليث ، عنه .
وقوله : ( ليكتب بينكم كاتب بالعدل ) أي : بالقسط والحق ، ولا يجر في كتابته على أحد ، ولا يكتب إلا ما اتفقوا عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وقوله : ( ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب ) أي : ولا يمتنع من يعرف الكتابة إذا سئل أن يكتب للناس ، ولا ضرورة عليه في ذلك ، فكما علمه الله ما لم يكن يعلم ، فليتصدق على غيره ممن لا يحسن الكتابة وليكتب ، كما جاء في الحديث : " إن من الصدقة أن تعين صانعا أو تصنع لأخرق " . وفي الحديث الآخر : " من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " .
وقال مجاهد وعطاء : واجب على الكاتب أن يكتب .
وقوله : ( وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ) أي : وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدين ، وليتق الله في ذلك ، ( ولا يبخس منه شيئا ) أي : لا يكتم منه شيئا ، ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها ) محجورا عليه بتبذير ونحوه ، ( أو ضعيفا ) أي : صغيرا أو مجنونا ( أو لا يستطيع أن يمل هو ) إما لعي أو جهل بموضع صواب ذلك من خطئه . ( فليملل وليه بالعدل )
وقوله ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) أمر بالإشهاد مع الكتابة لزيادة التوثقة ، ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) وهذا إنما يكون في الأموال وما يقصد به المال ، وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة ، كما قال مسلم في صحيحه : حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا معشر النساء ، تصدقن وأكثرن الاستغفار ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " ، فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار ؟ قال : " تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن " . قالت : يا رسول الله ، ما نقصان العقل والدين ؟ قال : " أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ، فهذا نقصان العقل ، وتمكث الليالي لا تصلي ، وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين " .
وقوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) فيه دلالة على اشتراط العدالة في الشهود ، وهذا مقيد ، حكم به الشافعي على كل مطلق في القرآن ، من الأمر بالإشهاد من غير اشتراط . وقد استدل من رد المستور بهذه الآية الدالة على أن يكون الشاهد عدلا مرضيا .
وقوله : ( أن تضل إحداهما ) يعني : المرأتين إذا نسيت الشهادة ( فتذكر إحداهما الأخرى ) أي : يحصل لها ذكرى بما وقع به الإشهاد ، ولهذا قرأ آخرون : " فتذكر " بالتشديد من التذكار . ومن قال :
إن شهادتها معها تجعلها كشهادة ذكر فقد أبعد ، والصحيح الأول . والله أعلم .
وقوله : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) قيل : معناه : إذا دعوا للتحمل فعليهم الإجابة ، وهو قول قتادة والربيع بن أنس . وهذا كقوله : ( ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب ) ومن هاهنا استفيد أن تحمل الشهادة فرض كفاية .
وقيل وهو مذهب الجمهور : المراد بقوله : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) للأداء ، لحقيقة قوله : ( الشهداء ) والشاهد حقيقة فيمن تحمل ، فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت وإلا فهو فرض كفاية ، والله أعلم .
وقال مجاهد وأبو مجلز ، وغير واحد : إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار ، وإذا شهدت فدعيت فأجب .
وقد ثبت في صحيح مسلم والسنن ، من طريق مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن زيد بن خالد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بخير الشهداء ؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " .
فأما الحديث الآخر في الصحيحين : " ألا أخبركم بشر الشهداء ؟ الذين يشهدون قبل أن يستشهدوا " ، وكذا قوله : " ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم ، وتسبق شهادتهم أيمانهم " . وفي رواية : " ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون " . فهؤلاء شهود الزور . وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري : أنها تعم الحالين : التحمل والأداء .
وقوله : ( ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ) هذا من تمام الإرشاد ، وهو الأمر بكتابة الحق صغيرا كان أو كبيرا ، فقال : ( ولا تسأموا ) أي : لا تملوا أن تكتبوا الحق على أي حال كان من القلة والكثرة ) إلى أجله )
وقوله ( ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا ) أي : هذا الذي أمرناكم به من الكتابة للحق إذا كان مؤجلا هو ( أقسط عند الله ) أي : أعدل ( وأقوم للشهادة ) أي : أثبت للشاهد إذا وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة ، لاحتمال أنه لو لم يكتبه أن ينساه ، كما هو الواقع غالبا ( وأدنى ألا ترتابوا ) وأقرب إلى عدم الريبة ، بل ترجعون عند التنازع إلى الكتاب الذي كتبتموه ، فيفصل بينكم بلا ريبة .
وقوله : ( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ) أي : إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد ، فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها .
فأما الإشهاد على البيع ، فقد قال تعالى : ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير في قول الله : ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) يعني : أشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن ، فأشهدوا على حقكم على كل حال . قال : وروي عن جابر بن زيد ، ومجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، نحو ذلك .
وقال الشعبي والحسن : هذا الأمر منسوخ بقوله : ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته )
وهذا الأمر محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب ، لا على الوجوب . والدليل على ذلك حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري ، وقد رواه الإمام أحمد :
حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني عمارة بن خزيمة الأنصاري ، أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي ، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه ، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم وأبطأ الأعرابي ، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ، ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه ، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه ، وإلا بعته ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي ، قال : " أوليس قد ابتعته منك ؟ " قال الأعرابي : لا والله ما بعتك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بل قد ابتعته منك " . فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان ، فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيدا يشهد أني بايعتك . فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي : ويلك ! إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول إلا حقا . حتى جاء خزيمة ، فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الأعرابي يقول هلم شهيدا يشهد أني بايعتك . قال خزيمة : أنا أشهد أنك قد بايعته . فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال : " بم تشهد ؟ " فقال : بتصديقك يا رسول الله . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين .
وهكذا رواه أبو داود من حديث شعيب ، والنسائي من رواية محمد بن الوليد الزبيري كلاهما عن الزهري ، به نحوه .
ولكن الاحتياط هو الإشهاد ، لما رواه الإمامان الحافظ أبو بكر بن مردويه والحاكم في مستدركه من رواية معاذ بن معاذ العنبري ، عن شعبة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم : رجل له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ، ورجل دفع مال يتيم قبل أن يبلغ ، ورجل أقرض رجلا مالا فلم يشهد " .
ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد على شرط الشيخين ، قال : ولم يخرجاه ، لتوقيف أصحاب شعبة هذا الحديث على أبي موسى ، وإنما أجمعوا على سند حديث شعبة بهذا الإسناد : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين " .
وقوله : ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) قيل : معناه : لا يضار الكاتب ولا الشاهد ، فيكتب هذا خلاف ما يملى ، ويشهد هذا بخلاف ما سمع أو يكتمها بالكلية ، وهو قول الحسن وقتادة وغيرهما .
وقيل : معناه : لا يضر بهما ، كما قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أسيد بن عاصم ، حدثنا الحسين يعني ابن حفص حدثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس في هذه الآية : ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) قال : يأتي الرجل فيدعوهما إلى الكتاب والشهادة ، فيقولان : إنا على حاجة فيقول : إنكما قد أمرتما أن تجيبا . فليس له أن يضارهما .
ثم قال : وروي عن عكرمة ، ومجاهد ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعطية ، ومقاتل بن حيان ، والربيع بن أنس ، والسدي ، نحو ذلك .
وقوله : ( وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ) أي : إن خالفتم ما أمرتم به ، وفعلتم ما نهيتم عنه ، فإنه فسق كائن بكم ، أي : لازم لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكون عنه .
وقوله : ( واتقوا الله ) أي : خافوه وراقبوه ، واتبعوا أمره واتركوا زجره ( ويعلمكم الله ) كقوله ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) [ الأنفال : 29 ] ، وكقوله : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ) [ الحديد : 28 ] .
وقوله : ( والله بكل شيء عليم ) أي : هو عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها ، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء ، بل علمه محيط بجميع الكائنات .