تفسير البغوي
تفسير الآية رقم 42 من سورة الأنفال
( إذ أنتم ) أي : إذ أنتم نزول يا معشر المسلمين ، ( بالعدوة الدنيا ) أي : بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة ، والدنيا تأنيث الأدنى ، ( وهم ) يعني عدوكم من المشركين ، ( بالعدوة القصوى ) بشفير الوادي الأقصى من المدينة ، والقصوى تأنيث الأقصى .
قرأ ابن كثير وأهل البصرة " بالعدوة " بكسر العين فيهما ، والباقون بضمهما ، وهما لغتان كالكسوة والكسوة والرشوة والرشوة . ( والركب ) يعني : العير يريد أبا سفيان وأصحابه ، ( أسفل منكم ) أي : في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر ، على ثلاثة أميال من بدر ، ( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ) وذلك أن المسلمين خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها ، فالتقوا على غير ميعاد ، فقال تعالى : " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد " ، لقلتكم وكثرة عدوكم ، ( ولكن ) الله جمعكم على غير ميعاد ، ( ليقضي الله أمرا كان مفعولا ) من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه ، ( ليهلك من هلك عن بينة ) أي : ليموت من يموت على بينة رآها وعبرة عاينها وحجة قامت عليه . ( ويحيا من حي عن بينة ) ويعيش من يعيش على بينة لوعده : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " " الإسراء - 15 ) . وقال محمد بن إسحاق : معناه ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك ، فالهلاك هو الكفر ، والحياة هي الإيمان .
وقال قتادة : ليضل من ضل عن بينة ، ويهدي من اهتدى على بينة .
قرأ أهل الحجاز وأبو بكر ويعقوب : " حيي " بيائين ، مثل " خشي " وقرأ الآخرون : بياء واحدة مشددة ، لأنه مكتوب بياء واحدة .
( وإن الله لسميع ) لدعائكم ، ( عليم ) بنياتكم .